اللفندية؛ لم نتعرف عليهم أو نسمع بهم في قرانا إلا مع ظهور أوّل أفندي ببيجامة في الشارع، ورجل بالبيجامة في شوارع قرى الصيادين في الثمانينيات كارثة يعاقب عليها الضمير الجمعي، كان الأفندي يخرج على استحياء من صومعته ليشتري الخبز بالبيجامة، ثم يذهب إلى منزله ليرتدي الزي الرسمي لعمله، كنّا نضحك عليه وكان صيادو قريتنا يتندرون بسيرته وببيجامته، وكانوا يطلقون عليه اللفندي أبو بجامه، هو ينظر إليهم باعتبارهم جهلاء، وهم ينظرون إليه باعتباره نصف رجل ونصف أنثى، لا يؤخذ برأيه رغم رجاحته، ولم يلتفت إلى صوته رغم علوّه في بعض الأحايين، ولم يشعر به أحد رغم حدة سيره.
كثرت الجامعات وكثر المتعلمون وكثرت البجائم وصمدت الجلابيب، الصراع احتدم في قرانا بين ذوي البجائم أصحاب النظرة الفوقية وذوي الجلابيب أصحاب الضمائر الصافية والقلوب المخلصة والكلمة الصارمة الصادقة، هذا الصراع لم يشُبه تخوين أو افتراء، فقط تندر، حكاوي مقاه وضحكات جلسات صيد ليس إلا.
ظاهرة اللفندية التي أصابت قرانا مؤخرًا ظاهرة متجذرة في التاريخ المصري، الأفندي مثّله الريحاني كما ينبغي، وخاصة عندما أخذ يفنّد للنصاب ما يتطلبه الخروف من مأكل ومشرب وشاور وغيره.
هذا النموذج من الأفندية تغلغل في حياتنا بشكل مخيف، فالحيلة عنده مفتاح الخلود، يتحايل على كل شيء، ينافق رئيسه في العمل، وإذا ذهب وجيء بغيره يستخدم نفس الأساليب التي استخدمها مع السابق ليحقق مبتغاه، حتى في الثورة، إذا نجحت تجده ينظّر ويبرر ويشرح ويدين ويشجب وكأن دمه معجون بمياهها، وإذا أخفقت فلديه ما لديه من معاول.
أما الصادقون المخلصون ف ربنا يكفيهم شر اللفندية اللي الثورة بتنقح عليهم فجأة؛ فيرتعشوا، وينكشوا شعرهم، ويفتحوا لا مؤاخذة عنيهم ويحمّروها، ويكلموك عن النزاهة والشفافية والأمل في المستقبل، ودور الشباب، وحمص الشام، وعنب كوم حمادة، وووووووو... كلام يامه وكبير في الفاضي كلّه طبعًا.
نفس اللفندية دول هم اللي نفس الثورة قامت على أمثالهم، بس بيحتاطوا.
أنا معاكم إن الاحتياط واجب، بس انتو كمان لازم تتفقوا معايا على إن ديل الكلب عمره ما يتعدل، فما تقلوظوش العمّة عشان المعدة ما بقاتش مستحملة الصراحة.
***********
سعيد شحاتة