جلست على ذلك المقعد الذي كان يحمل ذات يوم ثقل صبرنا، و قلبين يحملان أشواق و أماني تحترق بنيران الخوف من المستقبل و ما يحمل معه، كان سؤالنا دائماً ماذا يخبئ لنا المستقبل؟
سنوات و نحن نحمل ذلك السؤال على كتفينا و نمضي به، لكننا و في وسط الطريق عجزنا و اخترنا أبسط الحلول و أسهلها.. كنا نظن وقتها بأنه أسهل الحلول و أيسرها.
في يومها كتب على هذا المقعد من الخلف، " ستمضين مع الأيام و سأبقى هنا حاضراً مع تلك الذكريات "، فعلاً قد فعلتها و رحلت، و اليوم أعود و قد تركت بي تلك السنوات من آثارها ما تركت، و الآن أنا في انتظار الغائب الحاضر على المقعد ذاته.
جلس بقربي و ظ صامتاً ينظر إلى ما حوله و كأنه يحاول التعرف على الأزهار لأول مرة ،أخذت أنظر إلى تلك الملامح إنه ذاته.. بملامحه الطفولية الصغيرة، و ابتسامة التي تخفي خلفها شقاوة تجرني خلفه للجنون، و يده إنها هي تلك التي كانت ترفعني بعد كل سقوط.
أردت أن أسرقه من شروده، فسألته: هل اشتقت للمكان؟
التفت إلي قائلاً: اشتقت للعطر الذي فقده المكان و صاحبه.
: لقد مضى عمر.. سنواته ثقيلة.. الوجوه بها كثيرة.. الأسماء بها تختلف و لكن الأفعال بها كانت تتشابه أحياناً، حتى أنك تشعر بأنك لا تود ذكرها.
: مازال ذلك الحزن بعينيك.. و لكن من أين جئت بهذا الصوت الهادئ الذي لم أعهده؟ أين ذلك الصوت العالي و اليد التي ترسم المشهد في الهواء و الملامح التي تتحدث نيابة عنك؟ أين أنت؟
: أنا قد أضعت نفسي خلف أربعة أطفال.. عشرون عاماً مضوا ليس بالأمر الهين، و أنت؟
: أنا مازلت أباً لطفلة و لكن في خيالي.
أردت الهرب مما أحب فقلت له: تظن بأن هذه الحديقة يمكن لها أن تعود إلى جمالها، أن تتلون سماؤها باللون الأزرق و تكتسي ثوبها الأخضر المطرز بالأزهار؟
نظر بعينيه التي تنطق واثقة: إن سمحت لي، أعيدها أجمل مما كانت.. ثقي بي فقط.
: تلك السنوات علمتني أن لا أثق بسواك، فجميع الذين دخلوا في حياتي كانوا مجرد عابري سبيل.. تعلم إننا نشبه الطيور نحلق و نحلق نرتفع بأمانينا و نبتعد عن أوطاننا، ثم نعود و كأن الوطن جزء من القدر الذي كتب لنا.
: ألا يكفيك بأنك خلقت و لكي وطن تعودين له متى ما شئت.
الرئيسية »
أنفال عبدالباسط الكندري
» أنفال عبدالباسط الكندري: سأبقى حاضراً..
أنفال عبدالباسط الكندري: سأبقى حاضراً..
Written By Lyly on الاثنين، 3 أغسطس 2015 | 3:11 م
0 التعليقات