مهمة الكتابة في آن واحد خلق الجمهور المفّكر والارتفاع عن إنحطاطه ..!
الصديقات والاصدقاء ..شكرا لما طرحمتوه على منشور سابق لي..ولا اختلاف لدي مع آرائكم..لكنني اود ان اوضح امرا يبدو انني لم اوفق للتعبير عنه بصورة جيدة. انا لم اقصد احقية الدولة بقمع مواطنيها..فالقمع لا يخلق دولة تستحق الاحترام، وهي دولة ستنهار اذا بنت بقاءها على القمع لوحده ولهذا طرح اكثر علماء السياسية ومنهم انتونيو غرامشي، ان على الدولة ان توازي بين شرعية القمع وشرعية الرضى، اي رضى المواطنين حيث يتحقق عبر تنازلات الدولة المتواصلة لهم بصور مختلفة، سواء اقتصادية او اجتماعية او ثقافية . ما اردت أن اقوله هو ، أن من وجهة نظر العلم السياسي ان الدولة ( وانا اتحدث هنا عن الدولة وليس عن الحكومة)، هي الوحيدة التي تمتلك شرعية القمع، وليس حقها بقمع المواطن. فشتان بين الاثنين، فالحق مكتسب مسبقا، اما الشرعية فينبغي ان تقنن طبقا لقوانين واسس الدستور. كما انني اقصد بالدولة هنا التي تقوم على اسس شرعية ايضا .. اما فيما يخص الاختلاف في الافكار معي، فهو امر طبيعي ..فليس قصدي هو انني اريد متلقيا متفقا معي ، فهذا آخر ما اطمح اليه في حياتي .. ما اقصده ان الافكار التي اطرحها هي احيانا افكارا قابلة للرفض والتعديل والنقد او القبول..وانتظر ان يكون المنطلق على هذا الاساس ، وخصوصا حين تكون الافكار عرضا وليس تبنيا او وعظا، فيطرح المقابل وجهة نظره لمناقشة الآراء المطروحة وليس التي يستلها من حقيبته المعدّة سلفا لالقاء خطبة، رغم انني متيقن جدا اننا سنواجه على الدوام شخصيات من هذا النوع . المشكلة الاكبر وهو ما اشرت له في التعليق السابق، ان البعض، وهم وللاسف نسبة كبيرة ، ينتظرون ما يريح ضمائرهم ويدغدغ عواطفهم ويقدم لهم ما يعزز اوهامهم..انا لست بائع نقانق ..الكتابة مسؤولية ..ومسؤولية اخلاقية قبل ان تكون معرفية ، وفي اوضاع مثل اوضاع شعوبنا التي تعيش وهما نرجسيا قاتلا عن الذات، يتحمل الكاتب او الباحث الاديب مسؤولية اكبر من مجايليه في اوضاع و شعوب اخرى. فقد اصبحت امامهم مهمتان؛ مهمة الناقد الذي ينقد و يطرح و يكشف اخطاء وافكار و سلوك مواطنيه ويساعدهم على رؤية انفسهم اولا واخير، ومن خلالهم رؤية ذاته ايضا، ويدفعهم كي يكون لهم موقفا في الحياة تجاه انفسهم والآخر. اي انه، و لانه لا يمكن له ان يعيش بدون هذا الجمهور، يساهم في الحقيقة في اكتشاف الجمهور الذي يدخل معه في حوار . اما المهمة الثانية فهي ان يقدم معرفة فكرية وجمالية ترتفع عمّا يدغدغ عواطف الجمهور وينزل الى مستويات وضيعة في تفكيره، بمعنى ان عليه ان يرفعهم اليه وليس النزول الى مستوياتهم المعرفية والفكرية العامة.