ككل صباح نهض الرجل المتعب يقلي بيضة ليتناولها مع كوب الشاي الساخن ثم أشعل سيجارته وبعضاً من ذكرياته وتوقف يحلق في
السقف .. لا يعلم لماذا يفعل ذلك أو بماذا يفكر الآن تحديداً ولكن هناك تيار قوي دائماً يجذبه ناحية الشرود وكأنه ينظر إلى نفسه من الخارج .. رن جرس المنبه ..على غير عادته تركه قليلاً ثم أدرك أن النغمة حقاً مزعجة .. ولكن ربما هذا جيد لتنبيه لشيء ما .. استغرب كيف يخوض في مثل هذا الحديث مع نفسه .. أليس هذا الأمر كان عادياً البارحة .. أدرك أن الوقت بدأ يداهمه وهو يلبس حذائه البني قال : أيها اللعين قد حفظت الطريق أكثر مني .. ولكن لماذا علي أن أذهب للمكتب في هذا الوقت بالذات .. لماذا أعمل هناك أصلاً .. رج رأسه وهمس في نفسه أن هذا الأمر لم يحدث البارحة يبدو أني لست على ما يرام تلك الفواتير تربكني كثيراً .. آه فاتورة الكهرباء تباً منذ أسبوع وأنا أحاول أن أسددها ولكن شيئاً ما غير مهم يحدث وأنسى .. على كل حال .. خرج وتفحص جيوبه ليتأكد من أنه لم ينسى كومة المفاتيح التي لا يمكنها أن تفتح شيئاً مفيداً بالداخل ثم أطبق الباب .. لاحظ النسمة الباردة التي صفعت وجهه ونظر إلى السماء ثم مشى بكسل .. المدينة هي المدينة تبدو بعد مطر البارحة كأنها منتعشة .. هل نسيت أن أغلق الغاز ؟ اللعنة تباً هذه الذاكرة لا تساعدني في شيء أبداً ..ثم قال لا لن أعود دائماً أغلقه لماذا سأنساه اليوم بالذات .. في ماذا كنت أفكر .. حتى الأغاني التي يدندنها ما عادت تأتي بسهولة حين يستدعيها .. ولكن ماذا عن البارحة ..قد مللت أن يستغلني الناس ألا يمكنني كأي حيوان أو حشرة أن أتعلم من الأخطاء التي أقع فيها ولكن ماذا لو كان داخل هذا الجسد روح ذبابة - أبتسم هنا ابتسامة بدت واضحة - نعم أنا متأكد من ان تلك الحشرة ليست مفيدة ولا تملك ذاكره ولا تتعلم من أخطائها لابد أن أكون ذبابة .. تفطن لنفسه وخشى أن يكون حديثه مسموعاً أو أن شفتاه تتحرك كالمجانين .. ولكن ما الفرق من يدعي أنه ليس كذلك في هذه الرتابة .. القى التحية على الرجل العجوز .. اعتاد على فعل ذلك في كل مرة .. لماذا ألقي عليه التحية هل سبق أن تحدثنا بخصوص شيء ما أنا أذكر أني قابلته لكن أين .. اللعنة .. دخل إلى الباص وشعر بسعادة غامرة حين وجد كرسي فارغ .. جلس عليه بسرعة وقرر أن يظل عليه وألا يستمع إلى الملائكة الملاعين التي توبخه كلما وجد عجوز يقف .. قرر أن يدير وجهه إلى النافذة وقال مرة أخرى المدينة هي المدينة ولا اعرف لماذا اليوم بالذات صرت أفكر في كل شيء حتى في شهيقي وزفيري ..نظر إلى الساعة في يده ثم سأل ألا يتعب عقرب الثواني هذا ولماذا لا يطلب أن يتم تبديله مع عقرب الدقائق ..انزل يده ثم تذكر أنه لم ينظر إلى الساعة ..رفعها مرة أخرى .. تباً لا مواعيد في وقتها دائماً أصحا قبل الآخرين وآتي بعدهم .. توقفت الحافلة لم يكترث يعرف أنه بعد وقفتين عليه أن ينزل .. حين نزل من الحافلة سأل نفسه هل أقفلت الباب بالمفتاح .. تباً لن أفكر حتى في الأمر .. سار على الرصيف وهو يتأمل كثيراً في وجوه الناس ويراقب خطواتهم ويحاول أن يلتقط ما يتفوهون به .. حين رأى زجاجة ويسكي فارغة وهو يمشي ملقاة على الرصيف بدأ يساوره شعور أنه عليه قضاء حاجته قال : الآن علي حقاً أن أفكر بأشياء أخرى حتى أصل إلى حمام المكتب ..لماذا لا أشرب حتى الثمالة كم أود ذلك أن أغرق وأنسى هذا الملل أن أفقد اتزاني ولو لمرة واحدة أن اصرخ وأهشم الأشياء التي أضع عليها يدي أن أجن ولو لمرة واحدة فقط .. ماذا لو قمت بقتل أحدٍ ما لا لشيء إلا لأني أود قتله أن أشعر فجأة بأني أريد أن أفعل ذلك هل فكرة أنهم سيقبضون علي وسأقضي بقية عمري في السجن هي ما ستمنعني من ذلك فقط .. لا يعرف لماذا راق له الأمر إلى ذلك الحد .. لو كنت أملك نظارة أرى بها الأجساد .. تلك المرأة ذات المؤخرة الجميلة ستبدو رائعة وهي تمشي عارية .. ماذا لو يمكنني أن أضاجع أي امرأة أقابلها هنا .. اللعنة لماذا أتمنى حقاً لو أفعل ذلك .. لكني سأعذبها أولاً نعم سأشتمها وربما سأتبول عليها .. بدأت أنفاسه تتصاعد تدريجياً وشعر بجسده يثقل ..حاول أن يعصر دماغه بإقفال عينيه .. وحين فتحهما ببطء وجد نفسه ملقاً على الأرض تحت عمود مضاء وبيده زجاجة ويسكي وبجانبه سكينٌ عليه بعض الدم وسرواله مبتل وجثة شخص ما مكومة على بعد أمتار قليلة في الظلام .
24/08/2014سراج الدين الورفلي