الرئيسية » , » رواية .. أنا،هي والاخريات | مروان ياسين الدليمي

رواية .. أنا،هي والاخريات | مروان ياسين الدليمي

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 22 يونيو 2015 | 9:28 ص



رواية .. أنا،هي والاخريات 
للكاتبة اللبنانية .. جنى فواز الحسن 
تَعرية ُ الأنَا في ستراتيجية البوح 
إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون 
الطبعة الثانية 2013 م
تم ترشيحها لجائزة البوكر العربية لعام 2013القائمة القصيرة.
مروان ياسين الدليمي 
وضعت الروائية جنى فوازالحسن تقانة المنولوج أداة فاعلة ومهيمنة في نصِّهاالروائي(أنا،هي الأخريات)،معتمدة على الساردالذاتي بصيغة ضميرالمتكلم، لتُمكِّن (سحر)الشخصية الساردة،عبرهذه الآلية تمريرافكارهاومشاعرها،بأعتبارها أمرأة تعيش حالة انتظاردائم لذاتهاالتي كانت تهرب منها إلى البعيد:"لطالما وقفتُ على مسافة من حياتي وتركتُها تحدُث.لعبتُ دورالمتفرج فيها.انفصلتُ،بشكل أوآخرعن الواقع،كأنه لايعنيني،وكأن هذه الأنا التي تعيش فعلاً،تقابلها أنا أخرى تراقب الأحداث وتسجلها" . 
إنَّ ضميرالمتكلم تولى سرد الحكاية بكل تشظياتها دون أن يكون هنالك ضميرآخر يقاسمه لعب هذا الدورالسردي،من هنا كان خياراللجوءالى هذه التقانة بهدف تحقيق قدرعال ٍ من التفاعل والتواصل بين القارىء والشخصية،دون أن يكون هنالك حواجزتمنع الوصول بهذا الهدف إلى ذروة ماكانت تصبو إليه جنى الحسن.
سحر :"أحببت ألأشياء التي أقامت فقط في داخلي.وكنتُ أشعربالأمان حين أنسج الوقائع في خيالي،وأحيا تفاصيلها حينا ً،ثم أنهيها وقتما أشاء. وبرغم أني لم أميّز متى أصبحتُ فعلا موجودة ومتى كنتُ غائبة،عرفتُ أنّها أنا التي تتحكم بزمام الامور. "
في كتابه المعنون(في نظرية الرواية ) يورد الدكتورعبد المللك مرتاض بهذا الصدد،عددا ًمن الخصائص التي ينفرد بها ضميرالمتكلم، منها :"إن ضمير المتكلم أكثر تحكُّما ًمن الضميرالغائب في مجاهل النفس،وغياهب الروح،إذ أن ضميرالسردالمُناجاتي يستطيع التوغل إلى أعماق النفس البشرية فيعرّيها بصدق،ويكشف عن نواياها بحق ويقدمهاإلى القارىء كما هي لاكما يجب أن تكون.".. ضمن هذا الإطار تأتي عتبة الاهداء التي استعارتها المؤلفة من أقوال المناضل الافريقي نيلسون منديلا :" إلى أمي .. إني أتجوّل بين عالمين،أحدهما ميت والآخرعاجزأن يولد،وليس هناك مكان حتى الآن أريح عليه رأسي ". 
مدلولات هذه الجملة تفتح الباب أمام القارىء لكي يكون متهيأ ًفي استقبال نص سردي تتشظى فيه الشخصية الساردة إلى عالمين متقابلين ومتداخلين حدَّ التماهي،من غيرأن نغفل عتبة العنوان ألذي شحنَت فيه المؤلفة الاشكالية التي تعيشها سحر،ليعكس تركيب الجملة لغويا ً أنشطارها الواضح : أنا /هي والاخريات.
سلطةُ البَوح 
البوح لدى السارد/ الشخصية المحورية لم يكن إلاّ رد فعل على الصمت المطبق الذي فرَض حضوره على كل شيء في المنزل الذي تربّت فيه طيلة حياتها ، :"سأواصل الحكي لأمرواحد لاغير،متعة القول،وربما متعة البوح أومتعة الكذب ."
تبدو ستراتيجية البوح لدى سحر أشبه "بمسدس مكتوم الصوت،به ضغط متواصل على الزناد.تنطلق منه الطلقات وتنغرس عميقا ً فينا، من دون أن تحدث أي ضجيج ". . ألوحدة التي فُرِضت على سحر منذ طفولتها كانت عاملا أساسيا ً دفعها للبحث عن وسيلة في ذاتها كي ترى ذاتها المقموعة،وذلك من خلال السعي للاتصال بذات الاخرين حتى لوكان ذلك عبر آلية التخييل :"عندما كنت طفلة . . كنت أطل من شباك غرفتي،المَحمي بشبكةحديدية،وأتأمل الطرقات والمارّة،وأبدأ بنسج حكاياهم،أو أحاول تخمين إتجاهاتهم ومشاغلهم.كان ألآخردوما ً لغزا ً مُحيرا ً بالنسبة إلي،عَالمَا ً يجب اختراقه ومعرفة مايدورفيه،ليس من باب الفضول وحده . كانت رغبة أحسبُها أبصَرَتْ النورقبلي وتلقتني عندما لفظتُ أوّل أنفاسي لتسكنها .عاشت الأنا التي كانت تخبرني الحكايا مع ذاك الآخر وبَقيتْ الأنا الأخرى حبيسة قفص تتفرج من خلف قضبانه على أحوال الدنيا ."
حضوركينونة المرأة المقهورة والمُستَلبة والمُغَيّبة،جاء طاغيا ومهيمنا ًفي البنية السردية،سَعَت من خلالها جنى الحسن لكشف الخيبات والاحزان التي تعصف بالمرأة العربية ممثلة بالنماذج التي طرحتها في نصها هذا (سحر،هالة،سامية،أم زينب،الأم) وهي تعيش في بيئة مشروطة بقيود وموروثات ثقيلة تتداخل فيها الخرافات مع القيم السماوية،وتتهشم تحت عبئها احلام وامنيات انسانية،لتصبح المرأة بالتالي كيانا ً هشا ً،ضائعا ً، تائها ً.
في كل الحالات المطروحة في هذا النص، تبدو النماذج النسوية كائنات مأزومات يخضعن للعبودية :(سحر) تقع تحت رحمة عنف واغتصاب دائم لها من قبل زوجها :"كان يرصد تحركاتي بتعجرف ويقترب لمضاجعتي،كأني ذاك الجسد الذي لامأوى له سواه،فأرضخ فاقدة أيّة لذة ،لأني أثناءها أكون ذاك الجسد،اللاشيء الذي يحوّلهُ هو عبر التواصل معه إلى صورة ربما،أو مجرد إطار." (سحر) مع بقية نساء الرواية كن َّ بحاجة إلى الآخر،حتى لوكان مجرد وهم ٍ أو شبح ٍ ليخفف عنهن وطأة الوحدة.فأستغرقنَ بأحلام ٍ مثالية عن الحب والعطاء لاوجود لها في حياتهن.
سحر:"أغرمتُ برجال مختلقين كلياً وتحركتُ في سريري في تنفس خفيف ومتباعد وأنا أراهم يعبرون في داخلي .كان من الممكن ألاّ يكون ذاك الآخر واقعا ً،ولكن لم يكن ممكنا ً ألاّ أوجده،فقد كان كغيمة ِدخان ٍ يتجسد أمامي في كل لحظة،ويكسو فضاء الغرفة،لإبدأ في مطاردته حتى يتبخر.والأن وأنا أسأل نفسي كم من الرجال عَرَف خيالي،عشرة أو أكثر؟لم أعد أدري ."
تكتشف سحر في وقت متأخر،بعد سنوات من ارتباطها بسامي بأن الزواج ليس سوى تحوّل تام إلى كل ماكانت قد هربت منه،فصارت تتملكها رغبة صاخبة بالضحك أوربما بالبكاء.فأصبَحتْ نسخة من والدتها وبشكل اقسى، الى الحد الذي تحولت فيه الى أداة متعة لسامي بعد أن حولها الى جسدٍ رمادي يلتهمه بسرعة ويعوّدهُ على الاساءة.
نماذج النساء في هذا النص كنّ هاربات نحو الآخر/الرجل ليتدثرن به وليعثرنَ من خلاله على انفسهن وعلى حقهن المسلوب وبأنهن ذوات موجودات في مكان ما.
(ساميّة)عمّة سحر،هي الاخرى،تقع ضحية خيانةغيرمتوقعة،ألحقها بها عشيقها الذي عاندت الدنيا من أجل أن تكون له،لكنه ضعف في منتصف الطريق ولم يصمُد مثلها في رحلة تحدي الاهل والاقارب المعترضين على ارتباطهما فاختار بدلاً عنهاأمرأة أخرى. .(هالة) صديقة سحرالحميمة إختارت أن تكون سلعة بإرادتها،لكي يستمتع بها من تختارهم من الرجال العابرين بنفسها ليناموا معها،وقد جاء موقفها المتمرد هذا بعد خيبتها التي تسبب بها حبيبها(أحمد)بعد أن كانت قد منحته روحها قبل جسدها لكنه غاب عنها فجأة دون سابق انذار ليتزوج بأمرأة مُحجّبة ! فوجدت حقّها في أن تخوض بذاتها كل يوم تجربة جديدة مع رجل جديد دفاعا ً عن ذاتها وحريتها . 
سلطة المكان 
لم يقتصر تأثير المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية (مدينة طرابلس في شمال لبنان) بكل قيمها المحافظة والافكارالدينية المُتطرفة التي باتت تهيمن عليها بعد العقد التاسع من القرن العشرين،على المرأة فقط،بل تعدى ذلك التأثيرليطول الرجل أيضا ً،فوالد سحر،المناضل اليساري،باتت تحكمه مشاعرهزيمة ٍمُرَّة ٍلايُقرُّها بعد أن شهد سقوط الاتحاد السوفيتي،الذي كان يعدّه نموذجا ً يحتذى به لمجتمع ثوري مثالي،نجح في أقام العدالة الاجتماعية وأزال الفوارق بين الطبقات،فتسبب هذا السقوط في دخوله مرحلة من العجزالتام،فقد فيهاالقدرة على الاستمتاع بأي شيء،حتى مضاجعته لزوجته. فتحول قضيبه إلى عضو ٍمنسي وعَصيّ على الانتصاب،رافضا ولوجَ امرأةٍ،عداعن أرملته / الثورة.منزويا ًمع أوهامه الشيوعية وخيالاته الثورية بعيدا ًعن نبض الحياة،منفصلاعنها،مُكدِّسا ًخيباته المتواصلة التي أوقع اللوم فيها على الله " ذاك الذي لم يُشِرْ إليه في أيّة مناسبة ".مهزوما ًأمام فكر ٍ ديني متطرف،كانت الاشارة اليه واضحة عبر شخصية (إبراهيم) الذي انتهى به المطاف إلى أن يتوجّه للعراق من أجل القتال تحت راية الجهاد،ولتختفي أخباره هناك. 
عنصرالمكان في هذالنص يشكل فضاء حاضنا للشخصيات،بموجبه تحددت العلاقات المُلتبسة التي إرتبطت بها حيوات الشخصيات مع بعضها البعض ومع المحيط بكل مفرداته وتفاصيله الانسانية والمادية،فكانت صلة المكان وثيقة بالمكونات السردية،احداثاً وشخصيات.وضمن هذا الاطار يبرز (سامي) زوج (سحر)الذي لم يكن مواظبا على أداء الطقوس الدينية اليومية، لكنه بات حريصا على تأكيد انتمائه لهويته الاسلامية بعد أن شاعت الافكار الدينية المتطرفة في المدينة ليمنحه هذا الأنتماء إحساسا ًبالفوقية تجاه الطوائف الاخرى . 
سحر:"اكثرماكان يضايقني ويثيرالنقمة في داخلي كان الزّيف الذي رأيته في كل مكان .وقد بدا لي أن جميع من حولي لايعيشون فعليا ً،إنما يتظاهرون بالعيش،وأنهم ولدوا في قوالب معدنية جاهزة،وفضلوا البقاء فيها متخاذلين ومتقاعسين عن الخروج من تلك العلب.وكنت أسأل نفسي هل لهم مثلي منازل في الخيال وحيوات أخرى،أم أن رغباتهم ميتة،وهل جميعنا ننساق إراديا ً تحت سطوة التقاليد والعيب والحلال والحرام،أم أن البعض مستفيد من نمط العيش المرتكزعلى الحياة - الموت،لأنه يعزز الخمول ويوجد مبررا ً له ؟ وهل الرضى والسكوت نعمة نعيش تحت ظلالها آمنين أم أنّه نقمة تقتل كل مافينا من شرارة وتشعرنا دوما ً أننا لانملك مايكفي لمواجهة الحياة ؟ "
كبرت الهوّة بين سحر وبين الحياة وتاهت منها نفسها،ولتمسخها علاقات مُلتبسة مع كل شيء،مذ كانت طفلة،وقد حسبتها حقيقة،ولم تدرك كونها مختلفة إلاّ في مرحلة متأخرة من عمرها،وأن ّلهذا الاختلاف ثمنا ًباهظا وضريبة مؤلمة تدعى الوحدة،سواء كانت طوعا ًأو قسرا ً،ولم تعد تذكرأين ترَكَت ذاتها،تلك التي كانت تهرب من اعماقها وتجول في الخارج،كان عجزها وفشلها شديدا حتى أنها لم تجروء على أن تعلن ثورتها بوجه والدتها ووالدها بعد أن فشلت محاولتها بالانتحار وتم أنقاذها فبقيت ثورتها أمنية مكبوتة في داخلها .
سحر:"ولمّا دخلوا ليطمئنوا عليّ،انتابتني نوبة مريرة من الذعر وأردت أن اصرخ،أنه يدعى أرنستو جيفارا ياأمي،ولقد إنهارالاتحاد السوفياتي ياأبي.ونحن لسنا عائلة سعيدة،ولامثالية.نحن بؤساء.وأنا أريد أن أحيا.لاأريد أن أحيا بأقل مايمكن،بل بأكثرمن كل ّذلك بكثير.أريد مشاعر حيّة.سئمت جدرانكم الباردة.ألاتدركون كم نحن تعساء ؟متى سمعتم الموسيقى؟أريد أن أشعر بالفرح.هل ماأطلب كثير؟ أريد بعضا ً من الطمأنينة والسكينة.أريدكم أن تخرجوا مني جميعكم .أريد أن أكون أنا .أريد أن أكون مُطلّقة.لاأريد أن يضربني رجل.أريد أن أفتح روحي لغدٍ متجدد بالامل والاشراق. "
عجزت (سحر) عن التقاط ذاتها في يوم من الايام،فاستسلمت لكل الخواء لاإراديا ً،بل تواطأت مع والدتها على ضرورة إخفاء أيّة علاقة لجسدها مع الحياة،فلم يكن مسموحا لها أن تخفف من سماكة حاجبيها أو أن تغيّرمن تسريحة شعرها عندما كانت تدرس في الجامعة،فقدضمن بذلك والديها أن تبقى في معزل عن الانوثة . 
هذا السياق البنائي لمأزوميّة الشخصية الرئيسية تشابكت ظلاله مع بقية الشخصيات نساءً ورجالا ًوفرض حضوره حتى السطور الاخيرة من الرواية،عندما تخاطب سحرمسؤول الأمن في مطار بيروت بعد أن إقترب منها ليختم جواز سفرها وهي تهمُّ بالسفر: أرجوك لاتفعل ...لقد حصل التباس ياسيدي .أدعى هالة ولاأريد السفر،لدي أبنة تدعى فرح في انتظاري". . 
ليست (سحر) في هذا النص سوى شهرزاد أخرى،لاعلاقة لها بشهرزاد الف ليلة وليلة،تلك التي استثمرت ذكاءها وقدراتها لمواجهة سلطة تسعى لتغييبها،وتمكنت من النفاذ بذاتها من سلطة الآخر.. بينما سحرفي هذا النص،لاتنتمي لنفسها،وآثرت الأنزواء خلف زمنها، فمضت بها حياة طويلة من دون أن تعرف إن كانت حيّة فعلا ً:"في مرات كثيرة،كنتُ أشعر برغبة فعلية في الغياب والاختفاءوالتحول إلى ذاك العدم الذي لم أعرف سواه منذ طفولتي ".
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.