(( المقبرة الحدودية الآمنة ))
الوضع في المقبرة لم يعد يطاق.. هذا ما قلته لأصدقائي الأموات في اجتماع ما بعد منتصف الليل،
الناس في الخارج يذبحون بعضهم دفاعاً عن قطع قماش ملونة، حيث يدعون بأنها تجسيد كامل لفكرة الأرض والعرض،
كنت أخاطبهم بجدية وحزم: أنني أخشى عليهم وعلى نفسي من رصاصة طائشة، وما لبث أن قاطعني حمزة، وهو يضحك قائلاً:
لا يوجد شيء اسمه رصاصة طائشة، الرصاص كائن ناضج جداً ويسير دائماً بشكل مستقيم
حمزة هو طفل جميل في الثامنة، سكن المقبرة حديثاً بعد أن اخترقت رأسه رصاصة طائشة جداً، أقصد ناضجة جداً
يقول جاري في المقبرة ( أبو صالح ) و هو الفلاح الذي سكن المقبرة منذ زمن بعد انقطاع المعونات عن قريته الصغيرة: إننا محظوظون، لأننا لم نمت إلا مرة واحدة حتى الآن. وحدثني عن امرأة تدعى _أم محمد _ تموت كل يوم آلاف المرات أثناء انتظارها لابنها المعتقل
قلت لجاري أبو صالح بحسرة: ايـــــــــــــــه يا أبو صالح، لقد ذكرتني بأمي.
فقال لي أبو صالح:
نعم يا صديقي أم محمد امرأة طيبة جداً، فقدت ابنها حين كان يتظاهر دفاعاً عن نفس قطع القماش الملونة التي يتقاتل الناس عليها حتى الآن
وفجأة جاء أحدهم مسرعاً، وأخبرنا أن مجموعة من الأموات يريدون الإقامة معنا في المقبرة، بعد أن سقط عليهم ( برميل عقائدي ) وحوّل بيوتهم إلى ركام ، وأجسادهم إلى أشلاء.
خرجت أنا وحمزة وأبو صالح لنقوم بواجب الترحيب بالأموات الجدد
يا للهول إنها أم محمد ... صرخ أبو صالح
التفتُ بسرعة لأرى من تكون هذه المرأة الطيبة التي حدثنا عنها أبو صالح
وهنا،
وقعتُ على الأرض و أغمي عليّ بعد أن رأيت أمي _ أم محمد _ تمشي بخطوات ثقيلة وتبحث عني، و كلها أمل أن أكون قد هربت من المعتقل إلى إحدى المقابر الآمنة
تمالكت نفسي في حضنها، بعد نوبة بكاء عارمة اجتاحتنا معاً وقلت لها:
لا تقلقي يا أمي لقد غادرت المعتقل بعد أيام من غيابي، لأنني لم أحتمل التعذيب بالأسلاك الكهربائية.
الحياة في المقابر جميلة يا أمي، لا أحد يعير الأموات اهتماماً.. نحن زائدون عن الحياة
ولكننا يا أمي، لا نريد أن نموت مجدداً
لذلك سنغادر هذه المقبرة بأسرع وقت
وبعد أيام ..
سمعنا عن مقبرة حدودية آمنة نسبياً، فحملتُ حقيبتي، ثم وضعت ذراع أمي المتعبة على كتفي ومشينا.. بصحبة حمزة وأبو صالح
مشينا كثيراً
أثناء سيرنا في الصحراء، نفذ الماء منا، وأحسسنا بعطش غير محتمل،
_ لا تقلقي يا أمي، كدنا أن نصل، أنا متأكد بأن الماء متوفر بكثرة في المقبرة الجديدة،
لكننا ..
لم نعرف السبب الذي جعل المقبرة الحدودية الآمنة، تختفي وتظهر في مكان آخر كلما اقتربنا منها.
تنبهت إلى ذراع أمي التي ازداد ثقلها على كتفي، وإلى حمزة وأبو صالح اللذين وقعا على الأرض وتوقفا عن الحراك من شدة العطش..
كان موتنا بطيئاً جداً، ولكنها كانت فكرة رائعة أن نموت في مكان غير معروف،
ونكوّن مقبرة صغيرة تجمعنا .. صغيرة بحجم رصاصة ناضجة جداً
وكبيرة بحجم برميل
وآمنة ...... كوطن.
الناس في الخارج يذبحون بعضهم دفاعاً عن قطع قماش ملونة، حيث يدعون بأنها تجسيد كامل لفكرة الأرض والعرض،
كنت أخاطبهم بجدية وحزم: أنني أخشى عليهم وعلى نفسي من رصاصة طائشة، وما لبث أن قاطعني حمزة، وهو يضحك قائلاً:
لا يوجد شيء اسمه رصاصة طائشة، الرصاص كائن ناضج جداً ويسير دائماً بشكل مستقيم
حمزة هو طفل جميل في الثامنة، سكن المقبرة حديثاً بعد أن اخترقت رأسه رصاصة طائشة جداً، أقصد ناضجة جداً
يقول جاري في المقبرة ( أبو صالح ) و هو الفلاح الذي سكن المقبرة منذ زمن بعد انقطاع المعونات عن قريته الصغيرة: إننا محظوظون، لأننا لم نمت إلا مرة واحدة حتى الآن. وحدثني عن امرأة تدعى _أم محمد _ تموت كل يوم آلاف المرات أثناء انتظارها لابنها المعتقل
قلت لجاري أبو صالح بحسرة: ايـــــــــــــــه يا أبو صالح، لقد ذكرتني بأمي.
فقال لي أبو صالح:
نعم يا صديقي أم محمد امرأة طيبة جداً، فقدت ابنها حين كان يتظاهر دفاعاً عن نفس قطع القماش الملونة التي يتقاتل الناس عليها حتى الآن
وفجأة جاء أحدهم مسرعاً، وأخبرنا أن مجموعة من الأموات يريدون الإقامة معنا في المقبرة، بعد أن سقط عليهم ( برميل عقائدي ) وحوّل بيوتهم إلى ركام ، وأجسادهم إلى أشلاء.
خرجت أنا وحمزة وأبو صالح لنقوم بواجب الترحيب بالأموات الجدد
يا للهول إنها أم محمد ... صرخ أبو صالح
التفتُ بسرعة لأرى من تكون هذه المرأة الطيبة التي حدثنا عنها أبو صالح
وهنا،
وقعتُ على الأرض و أغمي عليّ بعد أن رأيت أمي _ أم محمد _ تمشي بخطوات ثقيلة وتبحث عني، و كلها أمل أن أكون قد هربت من المعتقل إلى إحدى المقابر الآمنة
تمالكت نفسي في حضنها، بعد نوبة بكاء عارمة اجتاحتنا معاً وقلت لها:
لا تقلقي يا أمي لقد غادرت المعتقل بعد أيام من غيابي، لأنني لم أحتمل التعذيب بالأسلاك الكهربائية.
الحياة في المقابر جميلة يا أمي، لا أحد يعير الأموات اهتماماً.. نحن زائدون عن الحياة
ولكننا يا أمي، لا نريد أن نموت مجدداً
لذلك سنغادر هذه المقبرة بأسرع وقت
وبعد أيام ..
سمعنا عن مقبرة حدودية آمنة نسبياً، فحملتُ حقيبتي، ثم وضعت ذراع أمي المتعبة على كتفي ومشينا.. بصحبة حمزة وأبو صالح
مشينا كثيراً
أثناء سيرنا في الصحراء، نفذ الماء منا، وأحسسنا بعطش غير محتمل،
_ لا تقلقي يا أمي، كدنا أن نصل، أنا متأكد بأن الماء متوفر بكثرة في المقبرة الجديدة،
لكننا ..
لم نعرف السبب الذي جعل المقبرة الحدودية الآمنة، تختفي وتظهر في مكان آخر كلما اقتربنا منها.
تنبهت إلى ذراع أمي التي ازداد ثقلها على كتفي، وإلى حمزة وأبو صالح اللذين وقعا على الأرض وتوقفا عن الحراك من شدة العطش..
كان موتنا بطيئاً جداً، ولكنها كانت فكرة رائعة أن نموت في مكان غير معروف،
ونكوّن مقبرة صغيرة تجمعنا .. صغيرة بحجم رصاصة ناضجة جداً
وكبيرة بحجم برميل
وآمنة ...... كوطن.