هناك برهان عددي على وجود الله، أنظرْ: 1، 2 ، 3... هل فكرتَ في الصفر؟ الصفر هو البدء. لا بدّ من بدء. الله هو البدء. الله هو الصفر - قال - ثم أضاف: إن لله تسعاً وتسعين إسماً، والإسم المئة لا يعرفه سوى الأولياء. أما الشيخ عبد الله السراج فوليّ من أولياء الله، ومثله قلائل، ولا بدّ أن تقرأ له أدعية الصباح والمساء. ووعدني بأنه سيُلحِقُني معه بمريدي الشيخ محمود قطان، إذا أتقنت أحكام التجويد على يد الشيخ عبد الله. قال أيضا إنه سيأخذني ذات نهار جمعة إلى جامع الجكارة - وهو جامع التوحيد الذي أقيم بين كنائس كثيرة، جكارةً بأهل الذمة من سكان العزيزية والسليمانية - لنرى كيف يخطب الدكتور محمود عكام القادم من جامعة السوربون.
* * *
في رمضان كنت أرافقه إلى صلاة التراويح في جامع أسامة بن زيد في الأقيول. صلّينا معاً صلاة التسابيح التي من سنّة النبي، وتؤدّى مرةً في العمر. في الفجر الذي حضرتُ معه الذّكر في آخر خميس من رمضان، رأيتُ أحد المصلّين العجائز يقفز مردّداً: الله الله. ثم أشعلوا المصابيح، فهدأنا، فيما بقي العجوز يقفز حتى جاء الإمام وضمّه بين ذراعيه. حينما خرجنا كان العجوز لا يزال يرتجف، فقال أحدهم: لا بد أنه وليّ.
* * *
احتلمتُ ذلك الصباح على صورة رهف في آخر الزقاق، وهي تقود يدي تحت قميصها المدرسي. وحين أيقظني خليل ابن عمتي، لأرافقه في عطلة الجمعة إلى سينما "راميتا" حيث يعمل مُضَوِّياً وفي صون الكراسي، كنت بمزاج كئيب، ولم يجفَّ بعدُ البلل الذي بين فخذيَّ.
عبرنا شارع الخندق والقوتلي. مزاجي كان لا يزال كئيبا، ولن يتحسن إلا ببقائي في صالة السينما ست ساعات أشاهد عروضاً متواصلة ختامها فيلم "إمرأة من نار". حين خرجتُ من الصالة كنتُ خفيفاً، ولم أكن أفكر إلا في الكيلوت الأبيض الذي كانت ترتديه ناهد شريف، وفي المسدس اللامع في يد صلاح ذو الفقار.
عدتُ وحدي إلى البيت، بعدما تمشّيتُ ساعة وأكثر في شارع التل أراقب المانيكانات في متاجر العطور والألبسة النسائية. حين وصلتُ إلى بوّابة القصب، اشتريتُ كيساً من الملبّس المحشو باللوز، لأجل رهف. استدرتُ الى الخلف وتخيّلتُ حلب حقلاً شاسعاً من عبّاد الشمس. المانيكانات تصطفّ بجلال وتردّد بخشوع: الله الله، لتحيط جميعها برهف البيضاء، النحيفة، الطويلة العنق، ذات النظرة السارحة، فتدير لي ظهرها بخفر، تاركةً لي عنقها الملساء الطويلة تماماً كأعناق المانيكانات في شارع التل.