الرئيسية » » نص من كتاب سيد الوكيل القادم( لمح البصر ) حبر على ورق

نص من كتاب سيد الوكيل القادم( لمح البصر ) حبر على ورق

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014 | 11:50 ص

نص من كتاب سيد الوكيل  القادم( لمح البصر )

حبر على ورق

كل شيء هنا قديم، سجائر البحار، زجاجات الخمر المعتق، الأدوات المكتبية، أوراق الكتب الصفراء، وللدكان رائحة عميقة وغامضة، أشمها كلما مررت من هنا، وفي كل مرة، سأجد نفسي أدفع الباب الزجاجي، وأقف في مواجهتها، وستلقاني بنفس الابتسامة حتى أشعر بالخجل، فأحني رأسي وتغمرني رغبة في البكاء. أغالبها وأقول:
ـ أريد حبرًا لأكتب.
ـ كم مرة قلت لك إنك صغيرٌ على الكتابة بالحبر.
أعرف أن أمي أوصتها ألا تعطيني الحبر أبدًا، وتعرف أن محاولاتي لن تتوقف عن سؤالها. في كل مرة تواجهني بابتسامتها الغامضة، وملامحها الذكورية، وعريها النبيل. كانت قوية كأنها منحوتة من رخام وردي. ولما رأت دموعي، جلستْ على الأرض، فانحسر فستانها الحريري عن فخذيها. وأغضمتْ عينيها، وأنا أتسلل وأجلس على حجرها، وأدس رأسي بين نهديها حتى شممتُ رائحة البحر، وسمعتها تهمس:
ـ المرحومة أمك كانت زميلتي في المدرسة.
أظنها بكت، لأن ملحًا رقيقًا علق بشفتي، فمصصتُ شفتي وأغمضتُ عيني حتى سمعتُ صخب زملاء المدرسة من حولي، ورأيتُ كاترينا بينهم. لا أعرف متى كبرتْ وطلع لها نهدان جميلان، حتى إنهما غمراني برغبة وشبق، فأخذتني من يدي إلى المخزن. 
كان مكتظًّا بالورق والحبر وعلب السجائر وزجاجات الخمر وصور لنساء جالسات على البحر، أغراني عريهن أن أقترب، حتي رأيتُ أمي بينهن، فوقفتُ خلف كرسيها المتحرك، صامتًا حتى لا تشعر بوجودي، لكنها التفتتْ إليّ فجأة، كانت حزينة، وربما مريضة، وغير قادرة على الكلام. أشارت إلى لحيتي المهملة، ونظارتي، ثم نهضتْ، ومضتْ، فتبعتها إلى شارع شبرا؛ لكنها تجاوزتْ المدرسة، وبيت جدي. 
وعندما اقتربنا من سينما مسرّة، تركتني هناك، وعادت إلى البحر.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.