حين يعجز الشعر عن الوصول إلى قارئ بسيط، إلى فلاح لا يقرأ في العادة سوى سطور حقله، أو إلى أمّ منشغلة فقط بانتظار أبنائها الذين لن يعودوا أبدا من الغربة. حين نعجز عن جعل القصيدة مشاعة ككأس الماء المجانية التي تُقدَّم للعابرين مع القهوة أو مع الدواء، كالحكاية الشائعة التي يملكها الجميع لأنها ليست ملكا لـ "أنا" أحد، وكالضمادة البيضاء في جيب الملاك، عصافير صغيرة مهاجرة تنقّط كلمات الله في السحاب. حين نعجز عن تحويل الشعر إلى قطرات أمطار، لا تكون العلة في الشعر، ولا في القراء، ولا في النقاد، بل فينا نحن الشعراء، الذين ننتمي إلى بعضنا، وإلى الكتب التي قرأناها، وإلى أنواتنا الصغيرة التي تتأمل العالم الكبير بعيون مغمضة، وليس إلى شساعة ورهبة وتواضع الشعر.
حينها، مهما كانت الأعذار مقنعة لعزلة الشعر وتعاليه عن الجماهير، تكون مقنعة فقط، لعجزه، ولموته، باكرا، دون أسف عليه من أحد.
