الرئيسية » » نجمة الحب | محمد إقبال حرب

نجمة الحب | محمد إقبال حرب

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 16 يونيو 2015 | 1:51 م

كرسي من القش تتراقص بين فجواته أسراب من النمل، وعجوز أغواها السهر تتخذ من البسيطة مقعداً تخفي بين تجاعيد وجهها حكايا جمال زاحمته زوابع الأيام حتى اتخذته موطناً لأخاديدها. مدت يدها إلى السماء كما كل ليلة لتقطف ما نضج من ثمار النجوم دون عناء أو ضجر. أخذت ترصفهم بأناقة في وعاء فخاري يحفظ عبق ورطوبة جمعها حتى لا تضطر إلى نقعها عندما يحين موعد استعمالها في شأن لم تبـح به أبداً. وما أن لاحت تباشير أمنيتها حتى خجل البدر فتوارى واستتر. غطت الوعاء بسرعة ورشاقة دون النظر إلى جنيها وأسرعت إلى داخل بيتها العتيق الذي يحوي من ركام العمر ما يكفي لمزاحمة أقدم الآثار في تلك البقعة الخرِبة لا ينازع تاريخها إلَّا جسد متهاو أخذه سبات عميق بالكاد يسمح له بالتنفس ليبقيه في عداد الأحياء فانزوى تحت دثار الحياة حياءً وخجلاً. رمقته بنظرة تستشف ما بقي من رمق لتقارنه بدقيق حسابها حتى اطمأن قلبها فقالت له مدركة بأن قلبه سيسمع : عليَّ أن أعد محصول النجوم التى في حوزتي يا عزيزي، أظنها قاربت على اكتمال نصابها. أرجوك أن تتمسك بالحياة قليلاً ريثما تجود السماء بمزيد من قطوفها.
وما أن أنهت عدَّها حتى صدمتها حقيقة لم تتوقعها، فصرخت من كيان راقصته الفرحة: يا إلهي العدد كامل والجعبة مليئة بما يكفي. قالتها وهي تذرف الدمع فوق قطوفها، نثرت عليها قبلات من ثغر متجعد كأنه فوهة قربة قديمة يطل من وجهها كبئر كالح الظلمة في منحدر وجهٍ ترهل حتى قارب الإندثار. فاشتعلت نار حب قديم من جمار قلب لم تخبُ يوماً ولا سعارها انحسر. حركت المزيج ساعات طوال بغصن رمانة حامضة المذاق ليشتد المزيج. ذابت النجوم وأضحى الشراب لألأة سماء وبسمة قمر.
أخذت رشفةً فسُرَّ قلبها للمذاق، قَطَّرت بين شفاه الراكد على فراش الوداع نصيبه فتنهد من سبات. تداولت معه الارتشاف والسُقيا فسرى بينهما كترياق غريب أثار زوبعة في كيان كل منهما فأفقدهما رشدهما. أخذا ينحسرا في خضم ألم ينازع خلايا الجسد وبخار السنوات الخوالي يتجمع في فضاء الغرفة حتى أضحى كسديم ينذر بما لم يكن في الحسبان. تبعثرت المشاعر من وهلة المشهد وصمتت الشفاه عن البوح تحت وطأة قلبين يضخان سحراً غريباً زلزل وجودهما خوفاً ورعباً فارتمى كل منهما في كيان الآخر ملاذاً. تفاعل مزيج الحبيب مع الحبيبة فتوهج الكيان الجديد كأنما يترقى إلى علياء فتولدت نار زرقاء أذابتهما في بقعة مقدسة ضاءت بنور كيان واحد يبرق بلون سحر غريب.
تجمهر من رأى النور ليستكشف ما جرى حتى ضج المكان بأهل الفضول الذين شدهم النقيضين، سحابة في علياء تظلل نوراً لم يعهده قلب بشر من قبل. وما أن أكتمل نصاب لا يعرفه إلا علام الغيوب هطلت الأمطار بهاء غزيراً غسل أدران الحاضرين بحب أزلي فيما تتجلى بقعة النور إلى علياء متخذة لها مكاناً بين النجوم سماه حكيم "نجمة الحب".

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.