الرئيسية » » تَمــاس | ياسمين عادل فؤاد

تَمــاس | ياسمين عادل فؤاد

Written By هشام الصباحي on الأحد، 25 يناير 2015 | 5:17 ص

الدائرة هى أصل كل الأشياء .. تلك هى الخلاصة الأولي التي دائمًا أصل إليها بعد كل تجربة أمُر بها ، رُبما لذلك تبدو الأوجاع لانهائية و السَقطات في كل مكان ! 

( 1 )

في حقيقة الأمر الكُون كله عبارة عن دائرة كبيرة تبتلع في جوفها كل دوائرنا الصغار ، و ما نحن كبشر إلا دوائر مهما تواصلت و تقاربت إلا أنها تبقى دومًا منفصلة لا يجمعها إلا مشروع تَماس قد يُصيب أو يُخطئ . و من وقت لآخر نظن لوهلة أننا قد تطابقنا أو اندمجنا مع دائرة شخص آخر فتصدمنا الحقيقة بعد فترة حين نكتشف أن الأمر ما كان إلا خداع زوايا مُحكم جعلنا لا نرى الحدود الكثيرة الفاصلة و الحواف التي تسحب قدمك لهاوية هى ف الأصل مركز دائرتك أنت فإذا بك مرة أخرى وحيدًا في نقطة الصفر 

**

فى البدء كان أنس هو الدائرة الصغيرة التي أحاول أن أحتمى خلفها من كل شرر الدوائر الآخرى التي اعتدت أن أخالها دائرتي الأكبر و التي كانت كل مرة بدلًا من أن تحتوينى تبتلعني حتى أنسحق ثم ثقذفني من جوفها نقطة تبحث عن باقى دائرتها البدائية قبل ان تنخدع من جديد في دائرة كبيرة أخرى رُبما هى نفس الدائرة الموبوءة الأولى .

..

( 2 )

و لأن الدائرة حقيقة لا نهاية لها هكذا هى المآساة ، تمامًا كأسطورة سيزيف الذي ما يلبث أن يسقط فيبدأ من جديد ، الوجع إذن حتمي و الحقيقة نسبية للغاية و البدايات واحدة و النهايات كلها تعود بك للداخل حيث أصل كل الأشياء لا يزيد معك سوى بعض الحكمة و الندبات ، المؤسف أنك مع طول الرحلة و تعدد الدوائر ترتبك و تُصاب بدوار يُنسيك ما تعلمته فتسير على نفس الهُدى باحثًا عن دائرة أكبر منك تحتمي بها دون أن تلتفت في الطريق لكل مشاريع الدوائر الصغيرة التي تحاول الاحتماء بك أنت كدائرة أكبر منها لينتهي الأمر بك تفعل ما يُفعل بك فتسحق كل ما هو أصغر منك بهدوء و يقين و لا شعور بالذنب .

**

أتذكر في الرياضيات و نحن صغار علمونا أن :  ( ن ) مجموعة الأعداد الطبيعية و التي تشمل ( ص ) مجموعة الأعداد الصحيحة ، ( س ) مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة إلخ إلخ ، ثم أخبرونا بعد ذلك بفترة  أن ( ح ) مجموعة الأعداد الحقيقية هي الأكبر إذ أنها تحتوي المجموعة الأولى ( ن ) في داخلها .

الأمر صحيح إذن لكل دائرة دائرة اخرى أكبر منها دورها أن تأخذ الأصغر منها تحت جناحها فتحميها تلك هى الحقائق الرياضية البحته ، فلماذا لم يُحذرنا احد ان الأمر ليس بالمثل في عالم البشر !؟

..

( 3 )

التَماس نسبي و يبدو أكبر مما هو حقيقةً أضف إلى ذلك أنه مؤلم بعض الشئ ، فالحواف أغلبها غير مُمهد و شائك . الإحتواء وهم كبير و فى أغلب الأحيان ما هو إلا مُسكِّن مؤقت ، و الوحدة مُجحفة لا يقدر عليها إلا ذو القلوب المصمتة . الحل إذن هو ترك كل الدوائر خلفك و حرق كل الطُرق التي قد تؤدي لمساحات مشتركة في بوم ما قبل أن نحترق نحن بتعلقنا الزائد بأصحاب الدوائر فتقتلنا عدم قدرتنا - بعد الفراق - على الإستغناء

**

ثم جاءت وَنَس .. تلك الدائرة الصغيرة جدًا و التي على عكس كل الحقائق العلمية الثابتة استطعت أن أحتمى أنا ذات الدائرة الأكبر بداخلها ، أعرف أنها لن تحتويني كاملة لكنني من وقت لآخر أُطل بروحي عبر نافذة عيون ابنتي إلى دائرتها الحميمية لأنسي داخلها كل شئ إلا دفء اللحظة . 

لا أريد أن آخذ بيد وَنَس إلى دائرتي الخاصة حيت الهراء و الإهتراء و اللعنات في كل مكان ، حتى أنني أكاد أدعو الله أن يحفظ لها دائرتها صغيرة حتى لا تُلوَّث بفِعل دوائرنا الكبيرة الهمجية  . 

..


خُلاصة 2 : كل القواعد المُتعارف عليها ما هي إلا كذب نُبرر به لأنفسنا الوقوع ف الأخطاء ، الجرح و التجريح ، و كل شئ في نهايته تألّق الفشل . فإذا أردت الإحتماء اقذف بقلبك داخل دائرة صغيرة مازالت بنقائها الأول و لا تحاول أن تدخل كاملًا داخل تلك الدائرة حتى لا تتهتَّك أحلامها الطاهرة بفِعل آثار أقدامك السوداء
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.